المسجد النبوي وخطر التدمير
د.نسيب حطيط
سيطرت عائلة آل سعود على الحكم في شبه الجزيرة العربية بواسطة(السيفو الفكر الوهابي)وألحقت البلاد وما عليها بإسمها (السعودية) نسبة لآل سعود رافعة راية(التوحيد)ومحاربة كل أنواع الشرك الخفي والظاهر وفق شعاراتها العلنية، وتكاملت المؤسستين الدينية والملكية للإطباق على البلاد وما عليها وما في جوفها من ثروات على أساس النظام الملكي والفكر الوهابي.
إن مشكلة الفكر الوهابي أنه فكر إلغائي وإقصائي ،يكفر كل من يخالفه الرأي ويعتمد على الثروة المالية لنشره في بقاع الأرض ويستغل ولايته على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة وبقية أرجاء المملكة ليفرض قناعاته وأفكاره ورأيه على بقية المسلمين الذين يحجون للمسجد الحرام في مكة المكرمة،وزيارة رسول الله(ص)في المدينة حيث مسجده وقبره .
وسنعرض في هذا المقال للكارثة التي تعرضت لها المعالم والمواقع والأثار الإسلامية حيث تم إبادة،وتدمير وإغلاق أكثر من90%من هذه الأثار تحت عنوان منع الشرك وعبادة الاصنام ومنع زيارة القبور وتنقية الإسلام من الشوائب والبدع المضللة، و ذلك كلمة حق يراد بها باطل، ولا ننكر تلوث الإسلام ببعض الطقوس والممارسات البعيدة عن جوهر الإسلام والمغالاة ببعض الممارسات نتيجة فهم خاطئ لبعض العامة وإنحراف بعض من يدعون المعرفة من العلماء،لكن لا يمكن ممواجهة التطرف والبدع بتطرف وسلوكيات أكثر سوء ،وتصحيح الخطأ بالخطيئة وكل ذلك نتيجة إجتهاد(شخص)هو من البشر لا يستطيع فرض رأيه أو فهمه بما يناقض ما جاء في القرآن والسنة النبوية الشريفة،ولنفترض أن هذا العالم(محمد بن عبد الوهاب)قد أخطأ في لحظة ما فهل يجب على المسلمين تحمل نتائج هذا الخطأ الإجتهادي أو نقص في العلم أو المعرفة أو حطأإستباط الحكم من النص.
وفي مقاربة حديثة بين الشيخين إبن باز وعبد الوهاب،فإن بن باز يقول بتكفير كل من يقول(بدوران الأرض)خلافا للنص القرآني (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) (النحل88) ولكل الإكتشافات العلمية فما هو الحل إذا قتل المسلم القائل بدوران الأرض وفق فتوى إبن باز ...ومن يتحمل مسؤولية تكفير المسلمين الذين يزورون القبور(حديث السيدة عائشة وزيارة القبور ) او حادثة اهل الكهف ،حيث إنقسم الناس فريقين حول التعامل مع معجزة أهل الكهف بعدما كشف أمرهم بع مضي 309سنين(ابنوا عليهم بنيانا)وهم العامة غير المؤمنين بينما يقول المؤمنون الذين انتصروا فيما بعد(قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا).
لقد نشرت صحيفة(الأندنبندت)البريطانية أخبارا عن نية السعودية بهدم المسجد النبوي(وثلاثة مساجد(مساجد عمر وأبو بكر والغمامة)وكذلك جزء من مقبرة البقيع بهدف توسعة المسجد النبوي الشريف ليتسع لحوالي مليون ونصف المليون مصلي وهذا هو الهدف المعلن،لكن الهدف الأساسي هو إستكمال عملية هدم المعالم الإسلامية التي بدأها السعوديون منذ العام1344 ه، بعد إستلامهم للحكم حيث تم الإرتكاز على مبادئ الفكر الوهابي لإضفاء الشرعية على أعمال الهدم و وفي إستعراض للمعالم الإسلامية التي تعرضت للهدم أو أو الحصار نذكر منها:
- تحويل المنزل الذي ولد فيه رسول الله(ص)إلى مكتبة عامة في مكة المكرمة.
- هدم منزل السيدة خديجة(رض)زوجة الرسول(ص)وبناء حمامات عامة مكانها.
- محاولة إزالة مقام إبراهيم(ع)من المسجد الحرام والتراجع عنه بعد إعتراضات العلماء والمسلمين.
- محو كل الأثار والأسوار وبيوت للصحابة حول المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة وإقامة الفنادق والأسواق.
- منع الزوار من الوصول إلى غار(حراء)مهبط الوحي الإلهي وإطلاق القرود حول المكان.
- منع الزوار من زيارة قبور شهداء أحد السلام عليهم بما فيهم قبر حمزة عم الرسول(ص).
- إقفال الطرق المؤدية إلى حصن خيبر ومنع الزوار من الوصول إليه.
- منع الزوار من الوصول إلى ساحة موقعة بدر.
- إغلاق منطقة مدائن صالح(ع)حيث توجد أثار قوم النبي صالح(ع)ومعجزة الناقة.
- منع الزوار من زيارة مقبرة البقيع التي يدفن فيها معظم صحابة رسول الله(ص)وزوجاته وبعض الخلفاء والأئمة(ع).
- إزالة معالم مقبرة حواء(ع)في جدة.
بالإضافة إلى تدمير الكثير من المعالم وأثار صدر الإسلام في كل أنحاء شبه الجزيرة العربية لمحو الذاكرة التاريخية والحضارية التي طبعت المنطقة خلال أكثر من 1400عام.
إن هدم المسجد النبوي الشريف بهدف توسعته وفق الطريقة التي تنفذها السلطات السعودية تؤدي إلى إزالة معالم احد الحرمين(المسجد الحرام والمسجد النبوي)وفق فتاوى صدرت أخيرا وكان آخرها ما إخترعه وأفتى به الشيخ يوسف الأحمد(بهدم المسجد الحرام وإعادة بنائه بشكل دائري من عشرة إلى عشرين أو ثلاثين طابقا(لمنع الإختلاط)وكان الشيخ السعودي عبد الرحمن البراك قد أفتى مؤخرا بجواز قتل من يبيح الإختلاط!!
إن السكوت عن هدم المسجد النبوي الشريف،كما تم السكوت عن هدم بقية المعالم الإسلامية، مسؤولية تقع على عموم المسلمين علماء وعامة،لأنها تفتح الطريق أمام هدم المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين،فمن يقبل بهدم مسجد رسول الله(ص)في المدينة عليه أن يقبل بهدم المسجد الأقصى موطن الإسراء النبوي ،والتبرير للإحتلال الإسرائيلي لهدمه لإعادة بناء(الهيكل)خدمة للعقيدة اليهودية الصهيونية مما ييعني أن هدم المسجد الأقصى له هدف عقائدي وديني وليس هدفا سياسيا أو عنصريا يوازي في تبريره هدف هدم المسجد النبوي لتأمين مساحات للمصلين المسلمين.
إن الأماكن المقدسة ليست ملكا لعائلة أو دولة أو مذهب، بل هي أرض مباحة ومقدسة لكل المسلمين على إختلاف مذاهبهم وعقائدهم وهي ضمن الوقف الإسلامي المقدس،فإذا صادف أن دولة أو سلطة ما ،تولت رعاية هذه الأماكن لا يعطيها الحق بالتصرف فيها كيفما تشاء وفق إجتهاداتها الدينية الخاطئة.
إن الواجب الديني يفرض على المسلمين وجوب التصدي لهذه المحاولات والمؤسف أن داعية مثل الشيخ يوسف القرضاوي قد توجه إلى أفغانستان للتوسط عند حركة طالبان لمنعها من هدم تمثال(بوذا)في أحد الجبال ولم يتحرك مع أقرانه من العلماء للتصدي لما يجري في السعودية وفي القدس وكأن الدين والأحكام الشرعية صارت وفقا(للفرمان)السياسي والحوالة المالية التي تسقط في جيب العالم أو الداعية.
نداؤنا للمسلمين التحرك الشامل والفوري على كل المستويات لحماية المسجد النبوي الشريف وبقية المعالم الإسلامية لحفظ التراث الإسلامي بعيدا عن فتاوى عبادة الأصنام والقبور، وإذا عممنا هذه الفتاوى لكان لمسلمون يعبدون(الكعبة الشريفة)كصنم فيما الحقيقة أنهم يطوفون حولها ويتوجهون بالصلاو نحوها لا لعبادتها إنما كمركز للتوحيد والعبودية لله سبحانه وتعالى.
بيروت في 6/1/2013 سياسي لبناني*
www.alnnasib.com